بقلم : زهير الركاني
يظن الإنسان أحيانًا أن كل ما اكتسبه في الحياة، سواء كان ماديًا أو معنويًا، هو نتيجة لذكائه وفطنته، أو لنسبه وحَسَبه. فيتمادى في لوم نفسه على قرارات سابقة، أو في الافتخار بأخرى، وكأنه يملك زمام الأمور بالكامل، ويتحكم في نتائجها بثقة مطلقة. لكنه يغفل عن حقيقة أنه لم يكن له حتى قرار في خلقه ونشأته، فكيف يكون له القرار في تسيير شؤونه اليومية؟كلنا مُسَيَّرون، كما يُسَيَّر الكون بأمر خالقه. وكما لا حول لنا ولا قوة في شروق الشمس وغروبها، ولا في اكتمال القمر وهلاله، ولا في مدّ البحار وجزرها، ولا في بواطن الأرض وظواهرها، فكذلك لا سلطان لنا على مصائرنا وأقدارنا. يدفعنا القدر نحو طرق لا يعلم مآلها إلا خالق الأقدار.ذكاؤنا وفطنتنا وقوتنا لا تستطيع أن تتنبأ بتحوُّل خلايانا التي لاترى بالعين المجردة من حميدة منتجة للطاقة تساعدنا على النمو، إلى خبيثة تدمر أجسادنا دون استئذان أو موافقة.يلوم كثيرون أنفسهم على عدم اتخاذ القرار “الصحيح” في مرحلة من حياتهم، مع أن ذلك القرار كان في حينه الخيار الوحيد المتاح. ثم تغيّرت الظروف وتبدّلت المعطيات، فأصبح ما كان صائبًا بالأمس يبدو خاطئًا اليوم، ناسين أن الماضي والحاضر والمستقبل كلها مكتوبة قبل خلق الحجر والبشر.تخبط الإنسان في صراعه الداخلي بين الماضي والمستقبل وتأثيرهما على حياته وحياة أسرته هو معاناة يومية حقيقية، تمنعه من عيش الحاضر واستحضار نِعَمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى.فالقرار ليس بأيدينا، ولسنا نحن من نصنع العلاقات أو نحافظ عليها، فالقُلوب بيد خالقها. تبدأ العلاقات بنيّات وتُختم بنيّات أخرى، فلا يمكن المراهنة عليها أو التوكل الكامل عليها. فالعلاقات نسبية، كما أن الصحة والمال والسلطة كلها نسبية. فلا تعلّق قلبك بشيء منها، وتعلّق بمن بيده كل شيء
